العبرة في آخر النهر: حكاية صاحب الشاة وصاحب الضفدع .
في زمنٍ قديمٍ، حيث كانت الأرض تُروى من عيونٍ رقراقة ، وتتنفس الحقول بعطر الزهر والبساتين، عاش في قريةٍ صغيرةٍ رجل يُدعى حسان، كان معروفًا بلقب صاحب الشاة، لأنه لم يكن يملك من الدنيا سوى شاة بيضاء، يحبّها كأنها طفلته ، يحلبها كل صباح، ويقتسم لبنها مع جيرانه.
وفي الطرف الآخر من القرية، عاش رجلٌ آخر يُدعى سالم، وكان غريب الأطوار، يعيش قرب جدول ماء صغير، لا يربّي شيئًا ولا يزرع، لكنه كان يعشق الضفادع، يحدّثها، يطعمها، ويؤمن أن لها حكمةً لا يدركها البشر. لذلك، كانوا يلقبونه صاحب الضفدع.
كان حسان يرى في سالم رجلاً غريبًا يضيّع وقته مع مخلوقات لا تنفع ولا تضر، بينما يرى سالم في حسان رجلاً بسيط الفكر لا يعرف من الحياة إلا بطنه وصوف شاته.
وذات صباح، مرّ حسان قرب الجدول، فرآه سالم مستلقيًا قرب الماء، وعلى صدره ضفدعة خضراء تنظر إلى السماء.
قال حسان ساخرًا:
– "ما بالك اليوم؟ هل صارت الضفادع تعلّمك الطيران؟"
ابتسم سالم وقال بهدوء:
– "ربما ستعلّمني ما لم تعلّمه لك شاتك يا حسان..."
ضحك حسان، ومضى في حال سبيله، لكنه لم يكن يعلم أن هذا اليوم سيكون بداية قصة لم تُنسَ في تاريخ القرية.
في اليوم التالي، اختفت الشاة.
بحث عنها حسان في كل مكان، تساءل بين الحقول، والطرقات، وحتى قرب الجدول، لكنه لم يجدها. جلس على حجر قرب الجدول، منهكًا من التعب.
فجأة، اقترب منه سالم، وفي يده صحن من حساءٍ دافئ، جلس بجانبه وقال:
– "اشرب، ليس للحزن طعم إلا إذا أضفته أنت بنفسك."
تناول حسان الصحن، وشرب منه. شعر بالراحة، وسأل بصوت خافت:
– "هل رأيت شاتي؟ كانت كل ما أملك..."
نظر سالم إلى الجدول، وقال:
– "هل تعلم لماذا أحب الضفادع؟ لأنها لا تحزن إن جف الماء، بل تقفز لتبحث عن غيره. أما أنت، فقد ربطت قلبك بشاة، فجعلتها تتحكم في سعادتك."
رد حسان:
– "لكن الضفدعة لا تُدر الحليب، ولا تؤنس الوحدة."
ابتسم سالم:
– "أجل، لكنها تعلّمني الحكمة. اليوم، ستنام دون شاتك، لكنك ستعيش. وكلما تعلمت أن تترك ما يرحل، ستحيا أكثر."
مرت أيام، وعاد حسان يزور سالم كل مساء. صار يُنصت لحكاياته، يشاركه الطعام، ويتعلّم أن هناك أشياء أهم من اللبن، وأغلى من الشاة. صار قلبه أوسع، وأحلامه أطول.
وذات مساء، جاءت شاته عائدة من الغابة، متعبة، ضائعة. فرح حسان، لكنه لم يركض نحوها كما في السابق، بل نظر إلى سالم وقال:
– "إن عادت، فمرحبا بها، وإن ذهبت، فلن أبكي مجددًا. تعلّمت أن الحياة لا تتوقّف عند شاةٍ ضائعة."
ضحك سالم، وقال:
– "أرأيت؟ حتى الضفدع قد يُعلّم راعي الشاة كيف يعيش الحياة."
العبرة:
ليست كل خسارة هي نهاية، ولا كل غريبٍ أحمق. أحيانًا تأتي الحكمة من فم ضفدع، وأحيانًا نحتاج أن نفقد أغلى ما لدينا، لنفهم كم كنا عبيدًا له.
عِش ببساطة، ولا تجعل قلبك يرعى شاةً واحدة، فربما يكون رزقك عند جدولٍ آخر... أو في قفزة ضفدع.
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق